إسلام الموحِّدين الدروز

إسلام الموحِّدين الدروز
المذهب الدرزي
في واقعه الاسلامي والفلسفي والتشريعي
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين،صلى الله عليه وآله الطيبين الطّاهرين وسلم تسليماً ورضي الله وتعالى عن ساداتنا اصحاب رسول الله أجمعين.
أما بعد فإن الموحدين الدروز يتكتمون حول مذهبهم تكتماً شديداً ويمارسون العبادات بسرية تامة ورغماُ أنهم يمنعون التبشير ولا يصرحون بشيئ من معتقدهم لاحد حتى ولو كان من أبناء طائفتهم فقد ظل الفضول لمعرفة حقيقة مذهبهم السري قوياًوقد حاول الكثيرين اختراق جدار صمتهم لمعرفة ما يؤمنون به.
وأدت بعض الحروب الداخلية التي وقعت في مناطق وجود الموحدين في القرون الماضية والقرن الحاضر الى وقوع بعض المخطوطات لهذا المعتقد بين أيدي الغير فتشجع بعض المستشرقين والباحثين على القيام بمحاولة التعرف على خفايا هذا المذهب ورموزه الباطنية فظهرت المؤلفات حول عقيدة الدروز.
وتفاوتت طرق الباحثين في المعالجة فبعضهم تناول الموضوع بعطف وتفهم فبقي في دائرة الموضوعية وبعضهم شحن بحوثه بدوافع سياسية او دينية متطرفة فاستغل بعض الملابسات الموجودة في نصوص المخطوطات محاولا تشويه صورة الموحدين لاغراض معروفة وبالمقابل طرح بعض الكتاب الدروز تفسيرات حول المعتقد التوحيدي وركزوا على بعض النقاط الجوهرية لكن إغفالهم الاستناد الى المخطوطات الاصلية بطريقة منهجية وقصر باعهم الإلمام بالفرق الباطنية عرَّضهم للانتقاد الشديد من قبل خصوم المعتقد ومن قبل معتنقيه على حد سواء
والذي زاد في البلبلة الفكرية ان اخذ مضمون المخطوطات بطريقة انتقائية مغرضة ومعالجة المعتقد التوحيدي دون ربطه بالاعتبارات التي نما فيها وإغفال الزوايا المتعلقة بالتصرف العملي لهذا المسلك وعلاقتها الحميمة بباقي الفرق الصوفية التي عرفها الاسلام صورت مسلك التوحيد وكأنه دين مستقل لا يعترف إلا بنفسه وهذه الصورة لا يقر بها الموحدون ويستنكروها اشد الاستنكار.
وغنيٌّ عن البيان ان الاهتمام بكشف المذاهب الاسلامية الباطنية شديد وإذا كان يخمد حيناُ فانه لا يلبث ان يعود الى الاشتداد من جديد ويمكن القول إن الكلام على الموحدين الدروز مع تفاوت بواعثه جمع خطوطاً عريضة واحدة حول العناصر الاساسية التي يتكون منها هذا المعتقد لكن هذه الخطوط (على ماتحمله من تساوق وتقارب عند بعضهم وتناقض وتباعد عند بعضهم الاخر) بقيت بعيدة كل البعد عن روح تطلعات الموحدين ونظرتهم العقائدية الشاملة الى الوجود.
إن التجربة الحية لمسلك التوحيد تعزز القناعة بأن لدى الموحدين أشياء كثيرة جديرة بالعرض والتأمل فلمسلك التوحيد اتجاه صوفي عميق الغور وللموحدين نظرة أخلاقية سامية مستوحاة من قيم عرفانية وجدلية عقلية الامر الذي يربطهم الى حد التماهي بظاهرة التصوف الاسلامي أما عقيدتهم الدينية فإنها تجمع الى أصولها الإسلامية جميع الروافد الفلسفية والمذهبية التي تأثرت بها الحضارة الاسلامية في مطلع القرن الخامس للهجرة .
وفاقاُ لما تقدم نرى أن الموضوع يطرح نفسه من خلال التساؤل التالي هل المعتقد التوحيدي دين مستقل ؟ ام ظاهرة صوفية متميزة تندرج في رحاب الاسلام ؟ ومحاولة الجواب الموضوعية من خلال منطق جدلي عقلي.

ريثما الادارة تاخذ وقتها بتحويل الدراسة للقراءة فقط نرجوا من الاخوة الاعضاء عدم وضع ردود وحقوق النشر لصدى الجبل
يتبع

المنهجية المعتمدة
إن إخضاع المذهبية الدينية لاعتبارات النظر العقلي أمر يجابه عادة بالرفض من قِبل علماء الدين.
كما أن التطرق للمذاهب من زاوية تحليلية نقدية يصور الباحث وكأنه ينظر الى الدين بفوقية يخشاها المؤمن البسيط.
لكن المسالة المطروحة شديدة التعقيد لاتسمح باعتماد المقايس التقليدية لاعطاء جواب موضوعي حولها .
فلا يبقى من مناص والحالة هذه إلا الاستناد الى قواعد وضعية والوقوف ما امكن وقفة المحايد امام النصوص.
والموضوع بطبيعته عقلي اكثر مما هو نقلي.
فليس المقصود عرض المعتقد التوحيدي بطريقة السرد والرواية.فهذا الامر قد تطرق اليه الكثيرون اما الطرح فهو معنيٌّ بابراز ناحية اساسية من نواحيه تتمثل في مدى تجذر الصوفية فيه بالاضافة الى مدى احتوائه على مواقف فكرية معينة تشد هذه الروح الصوفية الى الاسلام.
لذلك تركزت عملية التقميش على مسح شامل للمصادر الينبوعية المتوفرة عن التصوف الاسلامي بالاضافة الى المؤلفات الحديثة عن التصوف ذات الطابع البعيد عن عن الفكر التقليدي ما امكن كما فرضت الموضوعية ضرورة الاستعانة ببعض المصادر و المراجع في علم الكلام والفلسفة الاسلامية والمذاهب الباطنية الاسماعيلية وما شابهها وبعد ذلك تم تناول كل المصادر والمراجع المكتوبة عن الموحدون الدروز تقريباً وبصرف النظر عن تدني قيمة بعض هذه المؤلفات من الوجهة الاكادمية .
اما فيما يتعلق بالمخطوطات فقد تم اقتباس النصوص منها وفقاً للشروط التالية:
1-إذا كان النص المقتبس وارداَ بحرفيته في أحد المراجع المطبوعة يلحظ ذلك ويشار إلى القارئ بوجوب العودة اليه في المرجع المطبوع
2-أما إذا كان النص المقتبس من المخطوط الخاص غير وارد في احد المراجع المطبوعة فيشار الى مصدره مع رقم الصفحة إذا امكن وإلا يتم إغفال رقم الصفحة في حال وجود المخطوطة الخاصة خالية من الترقيم.
3-إذا كان النص عبارة او جملة شفوية يتناقلها الموحدون فيشار الى طبيعة هذه العبارة او الجملة في الهوامش.
4-إذا كان النص المقتبس وارداً في مخطوطات محفوظة في المكتبات الجامعية تحت رقم وتصنيف عندئذٍ يسند النص وفقاً للشروط الاكادمية المعترف بها .
5-في حال وقوع تحريف بين نص مقتبس من مخطوط خاص والنص عينه في مرجع مطبوع او مخطوط جامعي فسوف تعطى المصدقية للمخطوط الخاص مع الاشارة الى النص المحرف وطبيعة التحريف
6-تركت معظم الاخطاء اللغوية الواردة في بعض المصادر والمراجع حفاظاُ على الامانة الاكادمية وصححت بعضها عند التاكد من وجود خطأ مطبعي او نسخي.
والهيكلية المطروحة تضم مقدمة وتمهيداُ تاريخيا من وجهة نظر خاصة ترتبط ببعض المرتكزات الغيبية للموحدين الدروز ثم تبدأ المعالجة من خلال اربعة ابواب يتشعب كل منها الى عدة فصول وتتناول هذه الابواب الاعمدة الرئيسية للفكر التوحيدي بالاضافة الى بعض المقارنات الضرورية مع الفلسفة والتصوف وعلم الكلام والتشريع كما تتطرق الى مجمل الطروحات الدينية المتميزة والخاصة بهذا المذهب فضلاَ عن جلاء ملابساته وقول الكلام المسؤول في المطاعن الموجهة اليه اما الخاتمة فتلخص النتائج المستنبطة من هذا الطرح برمته.
هذه النافذة الجديدة التي نطل من خلالها على ظاهرة فريدة من ظواهر التمذهب والتدين ستكشف عن زوايا جديدة وغامضة حول التصوف والتوحيد لم يتطرق لها احد .
وستساعد من وجهة إجتماعية في رأب الصدع الناتج عن تناول الظواهر المذهبية بمنطق تعصبي ضيق يتنكر لقواعد النظر العقلي والاعتبارات الاخلاقية الانسانية وجوهر الدين فالعقل هبة كبرى يتنعم بها الجنس البشري وهو المؤهل وحده للتخفيف من ويلات الحقد الديني المدمرة.
يتبع

تمهيد تاريخي
أ-الافكار الغيبية التي شكلت التبرر لنشوء الدعوة التوحيدية
يُجمع المؤرخون والباحثون على اعتبار بداية العام 408للهجرة (1017م)
تاريخ بدء الدعوة التوحيدية التي أطلقها الداعي الاكبر حمزة بن علي# في عهد الخليفة الفاطمي السادس (الحاكم بأمر الله)مؤذناً بحلول دور جديد سعيد(1)ويعني به ما اسماه ب((الدعوة الهادية المهدية))(2).وهذا الاجماع يتطابق تمام التطابق مع اعتقادات الموحّْدين السائدة وتعززه التواريخ وتعززه التواريخ المدونة في رسائلهم على ان التاريخ يحمل مغزى عميقاَ لشيوخ التوحيد ويعتبرونه كما سنرى فيما بعد نقطة تحول زمنية كبيرة ومنعطفاً رئيسياَ حاسماً في تاريخ الانسانية جمعاء وقد عرض لنا أحد العلماء الدروز -منذ اواخر القرن التاسع عشر -احداثاً عميقة الدلالة للعام الذي سبق قيام الدعوة نسب روايتها لابن الجوزي فقال ((وقال ابن الجوزي :وسنة سبع واربعمائة تشعث الركن اليماني في البيت الحرام وفيها وقع الحائط الذي بين يدي النبي (ص)وانكشفت القبور وفيها وقعت القبة الكبيرة على صخرة بيت المقدس وفيها احترق مشهد الحسين ولم يحج تلك السنة احد.))(3)وهذه الرواية تدل على مدى اهمية تاريخ بدء الدعوة بالنسبة الى شيوخ التوحيد وارتباطها الوثيق بالمقدسات الاسلامية فاي حادث تتعرض له المقدسات يشكل بالنسبة لهم اشارة لاقتراب ((الوعد المحتوم))وقيام الساعة.
وهذه الدعوة الفريدة ماكان لها ان تعطي ثمارها وتجمع جمهرة من المسلمين حولها لو لم تكن نتيجة طبيعية لتطور بعض الافكار الغيبية التي اختلفت الفرق الاسلامية حول مدى مصداقيتها تراكمت وتجمعت وشكلت تراثاً دينياً ضخماَ بل اصبحت جزءاَ لايتجزأ من الحضارة الاسلامية وثقافتها وتقاليدها (4)والمذهب التوحيدي لايشذ في جوهره عن هذه القاعدة .
ولعل البارون سلفستر دو ساسي كان اول المنتبهين الى عدم إمكانية تفسير دعوة التوحيد وتجمع الاتباع حول حمزة بن على إلا من خلال ربط هذه الحركة بالاستعداد المسبق لقبولها من قبل بعض الجماعات الاسلامية التي هيئت على امتداد زمني طويل لقبول مثل هذه الطروحات المذهبية الجديدة(5)ويعزز هذا الرأي من قبل المؤرخون الدروز انفسهم فنجد في احد مؤلفات الدروز التاريخية الحديثة رئياً مشابهاً يقول ((لاشك ان دعوة التوحيد بدأت بعد تسلم الحاكم بامر الله شؤون الخلافة الفاطمية بزمن يسير ولكن دعوة التوحيد هذه لم تنطلق فجأة من غيرمقدمات وظروف سياسية ومذهبية معينة مهدت لها الطريق وتركت أثاراً واضحة على مدى نجاحها وانتشارها))(6)
ويأتينا شاهد آخر على مدى صوابية هذا الرأي من قبل احد المؤلفين المسلمين المعاصرين فيقول((بيد إن هذه الدعوة المدهشة لم تكن جديدة في الواقع ولم يبتدعها الفاطميون ولا الحاكم بأمر الله ولكنها اشتقت من الدعوة الباطنية او الاسماعلية السرية التي نظمت في اواخر القرن الثاني من الهجرة في جنوب فارس))
ولا يقف هذا الرأي عند حدود المؤلفين المعاصرين والمستشرقين بل نجد له جذورا في اعماق الاعتبارات المذهبية التوحيدية فالدعوة التوحيدية وجهتة الى جمهور المسلمين لان ((اهل الحق))جميعا اعتنقوا الاسلام منذ ايام النبي (ص)ووفقا لذلك لايمكن لاحد ان يسلك في مذهب التوحيد مالم يكن مسلماً دعوة التوحيد إذن قد اعتمدت من قبل جماعات معينة من المسلمين كانوا منذ انتقال النبي(ص)الى جوار الرفيق الاعلى مصدرا من مصادر تعميق العقيدة الاسلامية وإيجاد الترابط الحي بينها وبين الحركات الصوفية والفلسفية التي عرفها المجتمع الاسلامي .
لم تكن الدعوة إذا حدثا طارئاً او استثنائياً بل كانت تطوراُ طبيعياً لمجموعة ٍ من العقائد والاتجاهات والافكار التي اوجدت لها الظروف السياسية والاجتماعية الحقل الملائم للظهور وقد إرتكز الموحدون الدروز على هذه العقائد والافكار لتقديم الحجة على شرعية دعوتهم وارتباطها بفرقة معينة من فرق الاسلام فما هي الافكار التي بررت نشوء دعوة التوحيد
يتبع
==========================================
هامش
# حمزة بن علي بن احمد الفاطمي الزوزني الخرساني ولد سنة 375ه
في وزن وهي مدينة من مدن خرسان وترعرع فيها يقال انه تخرج من جامعة جند يسبابور بفارس وتقول الرواية التوحيدية إنه مكث في زوزن حتى العشرين من عمره ثم حضر الى مصر في جمادى او رجب سنة 407ه.وفي اول يوم من محرم سنة 408ه كشف دعوة التوحيد بعد ان كان الدرزي قد دعا الى ألوهية الحاكم وحصلت بينه وبين الدرزي خلافات خلافات عقائدية دامية حسمت لمصلحته .
يعتبر داعي دعاة التوحيد والحد الاول من حدود الحق ويلقب ((بالعقل))و((هادي المستجيبين))ويكنى ((بابي الفضل))احتجب في القاهرة بعد غيبة الحاكم بامر الله سنة411ه ثم غاب مع دعاته الكبار سنة 435ه الى مكان مجهول يسميه الموحدون((أرض الواحات))
(1)-التسمية للامير عبدالله التنوخي في مخطو طة شرح الميثاق رقم 5 ص 86
(2)-ترد التسمية في رسائل الحكمة 37
(3)-العقيلي الشيخ يوسف خبايا الجواهر ص 691
(4)-طليع- امين- اصل الموحدون الدروز بيروت منشورات عويدات ط2 1980 ص31
(5) ابو صالح, عباس. ومكارم,سامي ,تاريخ الموحدين الدروز السياسي منشوارت المجلس الدرزي للبحوث والانماء
(6)-عنان ,محمد عبدالله,الحاكم بامر الله واسرار الدعوة الفاطمية ,القاهرة,ط٢ ص 281
(7)-يقول الشيخ زين الدين عبد الغفار تقي الدين (ت900ه)في مخطوطة ((مختصر البيان في مجرى الزمان ))ص 101 مايلي Sad

(...ولما قام محمد بن عبد الله (ص)بشريعة الاسلام ونصب اساسه علي بن ابي طالب (ع) دخل اهل الحق قاطبة في شريعة الاسلام كما دخلو في كل شريعة ماضية))

إمامة آل البيت
كانت وفاة النبي محمد (ص)في الثاني عشر من ربيع الاول سنة١١ للهجرة صدمة عنيفة جداً كادت أن تؤدي الى كارثة حقيقية تزعزع اوضاع المسلمين .
((ففي السقيفة وقبل دفن جثمان الرسول عليه الصلاة والسلام حدث بين المهاجرين والانصار اول خلاف على الامارة))(1)
لكن عمر بن الخطاب استطاع بمبادرته أن يطوق النزاع ويدعو لمبايعة ابو بكر الصديق الذي اصبح اول خليفة من الخلفاء الراشدين وعلى الرغم من وجاهة هذا التصرف فلم يكن كافياً لارضاء جميع المسلمين ((........وبعد البيعة لابي بكر مباشرة حدث الخلاف بينه وبين انصاره من جانب وبين نفر من بني هاشم ومعهم فئة قليلة ارادوا ان تكون البيعة لعلي بن ابي طالب من جانب اخر))(2)
لم يكن هذا الخلاف في بدايته بالامر الكبير ولكنه سرعان ما تطور واستفحل وعمقت آثاره فأدى الى شق عميق في وحدة المسلمين.
ولسنا هنا في معرض تقويم مواقف الاطراف التي تنازعت على الخلافة او في تقرير احقية احدها في هذا الموضوع لكننا قد نجافي الحقيقة إذا اعتبرنا أن استبعاد الامام علي بن ابي طالب (ع)
يو مئذٍ من الامارة امر يمكن ان يقبل بسهولة لذلك فما إن تتابعت الاحداث حتى وصلنا الى عهد الخليفة عثمان بن عفان ((وفي السنوات الاخيرة من عهد عثمان بن عفان برم الكثيرون بما احدث من احداث ...ثم انتهى الخلاف تلك النهاية الدامية التي نقلت الصراع حول الخلافة من نطاق الخاصة الى نطاق العامة ومن رحاب العاصمة ليعم جميغ الاصقاع))(3)
ووقف الى جانب الامام علي بن ابي طالب (ع)في مطالبته بحقه في الخلافة ومنذ اليوم الاول مجموعة من الصحابة الاجلاء ومن بينهم اربعة ذوو اعتبارخاص جدا وهم سلمان الفارسي وابو ذر الغفاري والمقداد بن اسود وعمار بن ياسر فهؤلاء الاربعة هم ((حدود الحق))#
في ذلك الزمان وأول شيعة لآل البيت(4)
وبدأت الاحداث تتخذ طابعاً مأساوياً ابرزته الرواية التوحيدية على الشكل التالي ((فبعث ابو بكر بعد الدفن عمر بن الخطاب الى علي ومن معهم ليخرجهم من بيت فاطمة فقال إن أبوا عليك فقاتلهم فاقبل عمر بشيئ من نار على ان يضرم البيت عند الامتناع عن المبايعة فلقيته فاطمة بنت الرسول وقالت:الى اين يابن الخطاب اجئت لتحرق دارنا ؟ قال نعم او تدخلوا فيما دخل فيه الناس))(5)
وتزداد كآبة انصار علي ويخيم الحزن على الجميع بموت السيدة فاطمة الزهراء(6)
((بعد ابيها بستة اشهر ليلة الثلاثاء لثلاثٍ خلون من رمضان سنةإحدى عشرة وهي بنت ثمانِ وعشرين سنة ونصف سلام الله عليها))(7)
وتتملك هذا الفريق مشاعر عميقة بالاسى والمرارة مما رأوه ظلماً فادحاً بحق ذرية النبي (ص)وعترته الطاهرة ومع تفجر النزاع المسلح بدأ التشيع يشتد ويتصلب واخذتت الجماعات الموالية تضع الحجج حول حق آل البيت بالخلافة مع الاستناد الى أحاديث مروية عن النبي (ص) حول هذا الموضوع
يتبع
___________________________________________________
هامش
1-عمارة ، محمد ، الاسلام وفلسفة الحكم بيروت المؤسسة العربية للدراسات والنشرط2 1979 ص 76-77
2-عمارة ، محمد ، الاسلام وفلسفة الحكم بيروت المؤسسة العربية للدراسات والنشرط2 1979 ص 76-77
3-عمارة ، محمد ، الاسلام وفلسفة الحكم بيروت المؤسسة العربية للدراسات والنشرط2 1979 ص 76-77
#الحدود-مصطلح اسماعيلي الاصل يطلق عند الموحدون على الدعاة الخمسة الاول الذين دعوا الى التوحيد واحيانا يطلق ايضاً على الدعاة الثمانية الاول والحدود على الترتيب التالي:العقل النفس الكلمة والسابق والتالي ويضاف اليهم الجد والفتح والخيال وجميع هذه الاسماء يشترك فيها الموحدون والاسماعيليون مع بعض الفروق في درجات هؤولاء الحدود ومهامهم سيفصل الكلام عنهم لاحقاً.
4-الشيبي ، كامل مصطفى، الصلة بين التصوف والتشيع جزءان بيروت دار الاندلس ط٣ ١٩٨٢ ج١ ص ٢٣
5-ابو اسماعيل ، سليم ، الدروز وجودهم ومذهبهم وتوطنهم بيروت مؤسسة التاريخ الدرزي ج١ ص٧٤
6-السيدة فاطمة ذات مكانة رفيعة جداً عند الموحدين وينقلون ((...وكان يقول فيها -اي علي بن ابي طالب(ع)-فاطمة سيدة نساء هذه لامة ))وقد قال النبي (ص)((كُمل من الرجال الكثير ولم يكمل من النساء إلا اربع وهنَّ مريم وفاطمة وخديجة وعائشة راجع الكلاباذي ، التعرف لمذهب اهل التصوف ، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية 1960 ص81
واتنتسب الى السيدة فاطمة سلسلة من الائمة يجلهم الموحدون كل الاجلال ويعتزون بنسبتهم إليها

برزت إذن فكرة الامامة في بادئ الامر مستندة الى حجج منطقية تقضي بوجوب إيجاد خليفة يرعى شؤون المسلمين بعد وفاة النبي(ص)فكان الامام لايعني اكثر مما يعنيه الخليفة عند أهل السنة والجماعة في ذلك الوقت لكن الامر لم يقف عند هذا الحد لان القبضة الحديدية التي احكمها الخلفاء السنة على المسلمين مستفيدين الى أقصى الحدود من تطبيق الشريعة والرسوم وسنة النبي(ص) قابلها لدى الشيعة مزيد من التأويل الذي كان يعني القبول بالعقل مع التأكيد على صحة النقل الامر الذي يسمح بتعديلات تطيح بالركائز التي يستند إليها السنة في الحكم فكان إن تعدت فكرة الامامة وجوب كون الامام خليفة فقط يدير سياسة المسلمين وفاقاً لكتاب الله وسنة نبيه(ص)فحسب واصبح بدوره يتمتع بمواهب قدسية تمكنه من سن الشرائع ووضع التفاسير والاجتهاد على الكتاب والتأويل وهذه القدسية هي ميزة يختص بها الائمة من آل البيت ويتوارثونها اماماً بعد امام وهكذا نقلت مواهب النبوة بكاملها و صلاحياتها الى الامام ولكن بشكل مقنع.
هذا المفهوم الجديد للامامة جعل من الامام الخليفة الشرعي للنبي(ص)
والمكمل لرسالته الروحية الامر الذي أثار حفيظة فريق أخر من المسلمين الذين كانوا يعتبرون أن النبي(ص)قد أتم الرسالة ولم يعد هناك من حاجة الى المزيد من الاجتهاد والتشريع وهكذا اتسع الصراع الذي كان سياسي التوجه كي يصبح صراعاً عقائدياً بين جناحين مهمين جداً هما وفاقاَ لاجتهادات التوحيد جناح التأويل وجناح التنزيل
ووقف ((اهل الحق))-ويقصد بهم موحدو ذلك الزمان -الى جانب الامام علي بن ابي طالب والائمة من ذريته وتقول الرواية التوحيدية ((ولما قام الامام علي بن ابي طالب(ع)بالتأويل دخل أهل الحق في تأويله واستمروا عنده حتى انقضت مدة سبعة أئمة بعده وه من ذريته اولهم بعد علي بن ابي طالب (ص) الحسن والحسين وعلي بن الحسين (زين العابدين) ومحمد بن علي (الباقر) وجعفر بن محمد (الصادق)واسماعيل بن جعفر)) (1)
لقد إنتسب أهل الحق للإسلام منذ فجر انبعاثه ووقفوا باخلاص تام الى جانب النبي (ص) وبايعوه على الموت وسبب ذلك اعتقاد الموحدين بأن الاسلام لم يأتي بدون مقدمات بل ذكرت الصحف الماضية مجيئ النبي (ص) وحددت اوصافه ومزاياه وفي الرواية المنقولة عن سعي سلمان الفارسي الدائب وتركه لموطنه الاصلي كي يلتحق بالنبي محمد(ص)الذي أشارت إليه الكتب وتكلمت عنه الديانات التوحيدية القديمة (2) ما يعطي فكرة واضحة عن أن الموحدين يعتقدون ان الاسلام لم يفاجئ اهل الحق بل كانوا ينتظرونه.
وينقل لنا احد المؤرخين الدروز المعاصرين صورة حية لاندفاع أهل الحق في سبيل الرسول (ص) فيقول((ففي غداة الاسلام وفجر البعث الدوري الجديد وفي السنة الثالثة منه قدم الى الحديبية ملبياُ نداء الرسول خلا عن الذين بايعوا تحت الشجرة الف واربعمائة مؤمن من المهاجرين والانصار امثال جعفر والمقداد وسلمان وابي ذر من خزاعة وقضاعة وطي وتميم(3) نواة الدروز الاول الذين لايزال كثير من العشائر الدرزية اليوم يمت إليها بنسب غير منقطع التسلسل فاطلق على هذه البيعة اسم بيعة الرضوان))(4)
لقد تدرج الدروز إذا من جناح التنزيل الى جناح التاويل متبعين في ذلك خطى ((حدودهم)) الذين كان من واجبهم اعتناق الاسلام والذود عنه والانتصار لرسوله (ص)فالإحياء ((لسنن الاسلام والايمان التي هي الدين عند الله)) هي من النعم الباطنة للموحدين (5)وبعد ذلك الوقوف مع آل البيت واعتماد ما يتم تأويله لمعاني الدين ((فيدخل اهل الحق في زمرة الشريعة ويسكنون في تنزيل الناطق (6)مدة حياته ثم بعد وفاة الناطق يقوم اساسه (7)ايضا بمادة حدود الحق ويشرح معاني التنزيل ويؤوله ويجعل له شريعة باطنة ويشير الى التحديد-ويعني بذلك تحديد موعد قيام الساعة ومجيئ المهدي قائم الزمان ...فينتقل اهل الحق من تنزيل الناطق الى تأويل الاساس ويدخلون في جملة اهل التأويل ويخالطونهم في الانساب الجسمانية ثم يستمرون ساكنين في التأويل مدة حياة الاساس ومدة دعوة الائمة بعده))( Cool

وقف اهل الحق إذاَ ومنذ البداية الى جانب اهل البيت في الامامة وهم في ذلك يقتدون بجدهم الاول سلمان الفارسي الذي تروي عنه الاحاديث الزيدية والاحاديث الامامية والاسماعيلية معاً((إنه))لما رأى أن القوم تسرعوا في إنتخاب ابو بكر الصديق في بيعة السقيفة قال متأسفاً -في شيئ من التحفظ الزيدي -أمام شهود ((عملتم وما عملتم))بالفارسية ((كرديد ونكرديد))(9) كما نجد اثراً لهذه العبارة في ((حكمة ))الموحدين مع بعض التصحيف والتحريف -نعود إليه فيما بعد-على لسان سلمان الفارسي ((كرديو بكرديو وحق ميزة بترديو))تفسيرها بالعربية ((علمتم فعلمتم حتى غلبتم صاحب الامر -يعني عليا بن ابي طالب-وتشبهتم بأوليائه وادعيتم بما ليس لكم بحق))(10على تات))
إن اتباع اهل الحق لإمامة أهل البيت كان موقفاً مبنياً على اعتبار هؤلاء أئمة بحق إلاهي يتحدرون من صلب الشجرة النبوية المباركة ويهيئون للدور الاخير الذي يحل بمجيئ المهدي أي قائم الزمان

يتبع
_________________________________________
هامش
(1)-تقي الدين ، مختصر البيان في مجرى الزمان،ص101-102
(2)-اليهودية والمسيحية
(3)-ينتسب الداعي الثاني للدعوة التوحيدية الحاكمية الى تميم فهو اسماعيل بن محمد التميمي كما ينتمي الداعي الخامس الى طيئ فهو بهاء الدين علي بن احمد الطائي السموقي
راجع:الاشرفاني :الشيخ محمد بن مالك عمدة العارفين مخطوط ج٣ ص ٣٩أ وص ٤٣ب
(4)-ابو اسماعيل-الدروز وجودهم ومذهبهم وتوطنهم ص٦٩ وص ٧٠
(5)((الناطق)):مصطلح إسماعيلي وتوحيدي معاً يقصد به النبي محمد(ص)والنطقاء في التوحيد سبعة وهم :أدم- ونوح -وابراهيم- وموسى- وعيسى-ومحمد(ص)- والمهدي ((المنتظر لنجاة الامم))
(6)-((الاساس))مصطلح إسماعيلي ، وتوحيدي أيضاً .ويقصد به حجة الناطق وتاليه وهوهنا الامام علي بن ابي طالب(ع)
(7)-تقي الدين ، مختصر البيان في مجرى الزمان،ص٦٩
( Cool

-مقتبس لبحث ماسينيون بعنوان((سلمان الفارسي والبواكير الروحية في الاسلام في إيران))ترجمة عبد الرحمن بدوي.
راجع :بدوي، عبد الرحمن ، شخصيات قلقة في الاسلام ، الكويت ، وكالة المطبوعات ط٣ ،١٩٧٨ص٢٠
(9)-سلمان ، توفيق أضواء تاريخ مذهب التوحيد ،بيروت، دار الف ليلة وليلة ١٩٦٣ ص٤٠
(10)-رسائل الحكمة

سلام اخ ابو سارة
موضوع مميز
الرجاء الاجابة على رسالتي الخاصة
شكرا"