طبرية في التاريخ

طبرية في التاريخ
حسناً فعل الرفيق الكاتب خليل السعد اذ اهتم بكتابة تاريخ طبرية، مصدراً مؤلفه عن "دار الكتاب الثقافي" في اربد – الأردن عام 2005 ، وحسناً يقوم كل كاتب اذ يسطر تاريخ مدينة أو بلدة أو منطقة، فهذه تبقى لاجيال، وتحفظ، وتشكل جزءاً من تراث تاريخي يجب ان نحفظه لابنائنا، ولاجيالنا المتعاقبة.
في الغلاف الاخير لكتاب "طبرية تاريخ و امل" نقرأ النبذة التالية عن الرفيق خليل السعد:
ولد (خليل السعد) عام 1935 في طبرية ودرس في مدارسها حتى النكبة عام 1948. عمل معلماً في وكالة الغوث الدولية منذ عام 1952 وحتى عام 1972 كان له نشاط ثقافي وأدبي منذ الخمسينات حيث عمل في مجلة الدنيا الدمشقية وكتب في الجهاد، وفلسطين، والدستور، والجزيرة السعودية، والفيصل السعودية وعمل في دار المنار السعودية في الثمانينات.

* حط رحاله في نهاية التسعينات في جريدة "العرب اليوم" في دراسات متسلسلة في المسألة اليهودية الى أن توفي في 14/04/2000
* كان له نشاط سياسي منذ نعومة أظفاره حيث تبنّى الفكر القومي الإجتماعي
* توفاه الله بتاريخ 14/04/2000 ونشرت جريدة العرب اليوم دراسة بمناسبة ذكرى سقوط مدينة طبرية، بعد وفاته بيومين، وكانت وفاته في مدينة إربد حيث واراه ثراها الذي أحبه.

*
من "طبرية . تاريخ وامل"، اخترنا الفصل الذي يحكي عن معركة طبرية واستيلاء اليهود عليها.
سقطت طبرية بيد اليهود في 19/نيسان/1948 م، بعد معركة حامية، والحقبقة يجب ان تقال، فلم يكن في طبرية عند صدور قرار التقسيم عام 1947م، اي نوع من انواع السلاح، او الذخائر، سوى بعض الاسلحة الفردية الخفيفة، كالبنادق، والمسدسات، مع عدد قليل من سكان الضواحي، وجبل اللوزات الشمالي.
لكن عندما جدّ الجد، راح المخلصون من أبناء المدينة يبحثون عن السلاح، وكان العثور عليه عسيرا.
وأرسلت (اللجنة العسكرية في دمشق) في نهاية سنة 1947م، بعض البنادق الفرنسية الصنع، بدون عتاد، لكن وزارة الدفاع السورية، زودت المدينة ببعض العتاد القليل.
وقال طه الهاشمي، في مذكراته التي نشرت عام 1953م، "... ان اللجنة العسكرية أرسلت الى طبرية قبل سقوطها، الفي طلقة فرنسية، وخمسة آلاف طلقة انجليزية، والفين المانية، ومئة قنبلة".
وفي اليوم الثاني عشر من آذار عام 1948م، اشتبك العرب واليهود، في قتال، وبشكل مفاجيء لأمر خارج عن أرادة السكان، واستمر القتال أربعة أيام، ورغم قلة إمكانات العرب، فقد تفوقوا على اليهود في قتالهم.
وجاء من دمشق بعد أيام من هذه المعركة (صبحي شاهين) وهو طبراني الأصل، ومعه عدد من أبناء طبرية تلقوا تدريبات عسكرية في دمشق، وهم مسلحون بعدد من المدافع الرشاشة، ومدفع هاون واحد، لكن المؤسف حقاً ان جميع اسلحتهم كان ينقصها العتاد، ثم وصل الى طبرية من الناصرة، مجموعة من ستين مجاهدا بقيادة الضابط في الجيش الأردني (محمد العورتاني)، فصار عدد المجاهدين في طبرية مئتين وعشرين مجاهدا.
وفي اليوم السادس من نيسان، بدأ اليهود معركة طبرية، واستعملوا فيها مختلف أنواع الأسلحة التي كانت بحوزتهم آنذاك، وقد قدر عدد اليهود الذين كانوا يهاجمون طبرية (بألف) مقاتل، بعضهم من يهود طبرية، والبعض الآخر من سكان المستعمرات والقلاع المجاورة.
وتكاتف الجميع، ووقفوا في وجه اليهود سدا منيعاً، مدة تسعة أيام بلياليها، ولكن الوضع تطور في اليوم التاسع من المعركة، حيث انقلب اليهود الى مهاجمين، فهاجموا المدينة بشكل مكثف من جهاتها الأربعة، وكان ذلك ليلة 15-16نيسان/1948، وفي اليوم السادس عشر من نيسان تدخل القائد الانجليزي لموقع طبرية، فمنع التجول في المدينة، وأمر بقيام هدنة مدتها ثلاثة أيام بين الفريقين، وطلب من رجال الهاغاناه عدم التحرش بالعرب، وفي اليوم الثالث من الهدنة نقضها اليهود، وقاموا بهجوم مركز، واحتلوا فندق طبرية الكبير(غروسمان)، وبنك باركلس، ومعظم البنايات الفخمة المحيطة بهما، في المدخل الشمالي للمنطقة العربية، ثم نسفوا دائرة البريد المشرفة على الحي العربي من الجهة الغربية، وكذلك بعض أجزاء من السور القديم المحيط بالمدينة، وهكذا سيطروا على المدينة من كافة جهاتها، وبدأوا يدخلون الأحياء العربية من جهة (حزات بايت) ( وحزات كبير)، فأرسل القائد الانجليزي، عشرين سيارة عسكرية شاحنة، ووضع في كل شاحنة، نحو ستين شخصاً من العرب، وتحركت الشاحنات بحمولتها ناقلة اياهم الى الناصرة وسمخ، حسب رغبة السائق، وبدون أرادة او رغبة السكان، وكان بعض الاهالي، قد غادروا المدينة ليلة سقوطها بحرا بواسطة القوارب، والسفن الشراعية الصغيرة، او بسياراتهم الخاصة، او المستأجرة، الى سمخ فالأردن، او الى الحمة، وقد اتجه معظم سكان طبرية الى اربد (الأردن)، ودمشق والناصرة، حيث استقر معظمهم في هذه المدن الثلاث، والقليل جدا من اهالي طبرية، اتجه الى لبنان.
وبعد أن أتم الانجليز ترحيل السكان العرب من طبرية، اندفع اليهود الى البيوت العربية والمحلات التجارية، ونهبوا كل ما فيها من اثاث ومؤن، ثم احتلوا البيوت، وسكنوها، ولم يبق في طبرية بعد سقوطها، سوى إمرأة عجوز، كانت خادمة في دير اللاتين، ورجل مسن معتوه.
أما بعض المجاهدين من الذين جاءوا من القرى المجاورة، فقد غادروا طبرية قبل سقوطها بثلاث أيام الى المغار ولوبية، ولم يبقى في المدينة مع الاهالي الا العورتاني وجماعته الذين اصروا على الخروج من طبرية بعد سقوطها، بكامل اسلحتهم، وكان لهم ذلك.
ومن الذين أبلوا بلاء حسنا في معركة طبرية، وقدموا الدماء رخيصة في سبيل بلدهم، خالد القهوجي(القشقوش)، عوض عامر، حسن مصطفى الجراح (الشيش)، مطلق السحتوت، أنطون فضة، وقد استشهدوا أثناء المعركة.
ومن المجاهدين الابطال. نذكر منهم: محمد العورتاني، اسماعيل الحاج خليل، صبحي شاهين، فوزي رمضان، سعيد مصطفى السيدي (وقد خرج من المعركة وفي جسده أكثر من أربعين رصاصة، بقي بعضها في جسده حتى وفاته في اربد مؤخرا)، سعيد البيروتي، سعيد القهوجي، باكير فياض باكير، عبد الهادي حماد(*)، محمود عبد القادور عمارة، عبدالله دياب السعد، مصطفى العبد زيدان، أحمد الجمال ( ابو الصخر) محمد علي خليل، عبد نمر السيدي، محمود محمد سحتوت، وفوزي رشيد سعدية.
هذه قصة سقوط مدينة طبرية، ونضالاتها، وكانت طبرية أولى حبات العقد، وأول مدينة فلسطينية يسلمها الانجليز لليهود، قبل انتهاء فترة انتدابهم، بتواطؤ مكشوف.


(*) الرفيق الاعلامي عبد الهادي، شقيق الرفيقين الشهيدين عباس ( الثورة القومية الاجتماعية عام 1949)
وسعيد، بعيد الثورة الانقلابية، عام 1962)
*
وعن أبرز الرموز الطبرنية المعاصرة، يورد الكاتب الرفيق خليل السعد، أربعة منها، هم الصحافي نجيب نصار، الدكتور فايز الصايغ، الشهيد احمد موسى الدلكي، الدكتور اديب خرطبيل.
على الوجه التالي:

1. الصحافي الفلسطيني المعروف( نجيب نصار) صاحب جريدة الكرمل في حيفا، لاحقته السلطات البريطانية وسجنته مرارا، وقد توفي في الناصرة عام 1948م، وعمره(84) سنة، وترك عددا من المؤلفات الادبية والتاريخية.
2. أما الشخصية الأبرز، فهو المفكر والفيلسوف الدكتور فايز صايغ ( ابن المعلم يوسف) ولد في طبرية عام 1922م وحصل على شهادة الدكتورة عام 1949م من اميركا، واختير عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني الاول، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان من دعاة الحزب السوري القومي الاجتماعي في فلسطين، وأسندت اليه مهمة تأسيس ورئاسة مركز الابحاث الفلسطينية في بيروت، ثم عمل مراقبا للجامعة العربية بالامم المتحدة، حتى وفاته، وهو الذي صاغ ووضع كلمات قرار الامم المتحدة باعتبار الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية، وتوفي في نيويورك بالسكتة القلبية...!!! عام 1980م، وترك عددا من المؤلفات بالعربية والانجليزية.
3. احمد موسى الدلكي: ابرز شهداء الثورة الفلسطينية، حيث تطوع بالقيام بأول عملية للثورة والتي استهدفت نسف نفق عيلبون لتحويل مجرى نهر الأردن، وهو من مواليد ناصر الدين/ طبرية عام 1919م، وكان استشهاده في اول كانون الثاني عام 1965م وعمره (46) سنة.
4. الدكتور المجاهد أديب خليل خرطبيل: ولد في طبرية عام 1900م، ودرس الطب في الجامعة الاميركية في بيروت، وبعد تخرجه عمل في طولكرم، ثم افتتح بالتعاون مع زوجته وديعة قدورة خرطبيل (*) ( رئيسة الاتحاد النسائي الفلسطيني، منذ تأسيسه حتى نهاية عام 1965م، مستشفى الجهاد في طولكرم،حيث كان يعالج جرحى الثورات الفلسطينية منذ ثورة 1936م وحتى الاحتلال اليهودي لفلسطين عام 1948م، استقر في بيروت ودفن فيها عام 1972م.

عمدة شؤون عبر الحدود
في الحزب السوري القومي الاجتاعي